لتحقیق رؤیة نسویة للعدالة الاقتصادیة والمناخیة، من الواضح أن ھناك حاجة للتخلي عن النماذج غیر المستدامة للاستھلاك واستخراج الموارد. ومع ذلك، تواصل أغنى بلدان العالم وأصحاب الدخل المرتفع في جني أرباح طائلة من الوقود الأحفوري، على حساب توفیر تمویل للتنمیة من أجل الوفاء بالتزاماتھا. فبدون ھذا التمویل ستجد البلدان النامیة صعوبة في تحقیق أھداف التنمیة المستدامة. وفي ظل الاتجاھات الحالیة لعدم المساواة في الدخل، لن تتمكن النساء من تحقیق العدالة الجندریة في سوق
الشغل إلا بحلول عام 2100.
وقد ارتفعت بشكل كبیر نسبة البلدان المنخفضة الدخل المعرضة بشدة لأزمات الدیون أو التي تعاني منھا فعلیا، حیث تنفق الدول نسبا أكبر من أي وقت مضى من المداخیل الحكومیة على خدمة الدین الخارجي والتي تجاوزت بكثیر إنفاقھا على التعلیم والصحة، بما في ذلك خلال ذروة الجائحة. و تمحورت الاستجابة الدولیة إلى حد كبیر حول الإطار المشترك لمجموعة العشرین لمعالجة الدیون الذي تم إنشاؤه في نوفمبر 2020، لكن نشطاء المجتمع المدني وحكومات الجنوب أدانوا الإطار المشترك لفشلھ في المضي قدما في إلغاء الدیون، بسبب محدودیة نطاقھ وإجباره الدول على تبني برامج صندوق النقد الدولي للولوج إلى
معالجة الدیون.
ولا تزال الخروقات الضریبیة متفشیة، حیث تضیع مئات الملیارات سنویا بسبب التھرب الضریبي من قبل الشركات والأفراد الأثریاء. وبالنسبة للبلدان المنخفضة الدخل، تبلغ ھذه الخسارة ما یقرب من نصف میزانیتھا في مجال الصحة العامة. ولا تزال العدید من الدول تتعرض لضغوط للإبقاء على معدلات الضریبة على الشركات على مستویات منخفضة، في ظل اتجاه سائد لعقود، مع تعویض الخسائر في المداخیل من خلال زیادة ضرائب الاستھلاك التي تثقل كاھل ذوي الدخل المنخفض دون مبرر. وغالبا ما تأتي ھذه الإجراءات بتوجیھ من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي. وقد فشل الإطار الشامل لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمیة/مجموعة العشرین بشأن تآكل القاعدة الضریبیة وتحویل الأرباح الذي یدخل حیز التنفیذ في عام 2024 في معالجة ھذا التحدي. ومع ذلك، ھناك آمال في تحقیق انفراج من خلال التوصل إلى اتفاقیة إطاریة للأمم المتحدة أكثر دیمقراطیة بشأن الضرائب في أعقاب اقتراح نشره مؤخرا الأمین العام للأمم المتحدة بعد قرار الجمعیة العامة للأمم المتحدة الذي قدمتھ
المجموعة الأفریقیة والذي تم تبنیھ في نونبر 2023.
وقد وضع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مؤخرا جداول أعمال للمساواة الجندریة والمناخ والإصلاح الداخلي، لكنھما فشلا باستمرار في الاعتراف بالأثر المباشر للعجز الدیمقراطي وتدابیر التقشف الصارمة على السكان والكوكب. وحتى في ذروة الجائحة، وضع صندوق النقد الدولي غالبیة قروضا بشكل مشروط یشمل التدابیر التقشفیة التي لن تؤدي إلا إلى تفاقم أسوأ آثار الجائحة على الفئات الأكثر تھمیشا. إن تغییر دور مؤسسات بریتون وودز شرط مسبق أساسي لبناء حكامة اقتصادیة عالمیة أكثر نسویة. كما یجب على الأقل الشروع بإصلاح الحصص لتحقیق العدل في السلطة والقطع في ظل احتكار القرار من طرف
البلدان الثریة التي تھیمن حالیا على صندوق النقد الدولي.
وعلى الرغم من وجود علاقة بین النوع الاجتماعي والتجارة والتي أظھرتھا بشكل أكبر منظمة التجارة العالمیة من خلال مثلا إدراج السیاسات الجندریة في اتفاقات التجارة الحرة، فإن الأنماط العالمیة في التجارة وإدارتھا لا تزال تتبع نھجا منعزلا ولیبرالیا جدیدا تجاه حقوق الإنسان. فھناك تزاید ملحوظ للصفقات التجاریة التي تم التفاوض علیھا خارج منظمة التجارة العالمیة والتي توسع نطاق إدارة التجارة إلى ما ھو أبعد من القضایا التجاریة الصریحة لتشمل القضایا غیر التجاریة. وتقید ھذه القواعد قدرات دول الجنوب العالمي على تنفیذ القوانین بطریقة ضروریة لتحقیق المساواة الجندریة. وفي الوقت نفسھ، یستمر النظام التجاري الحالي في الترویج لرأسمالیة الوقود الأحفوري الاستخراجیة، سواء من خلال استخدام آلیات تسویة المنازعات بین المستثمرین والدول من قبل الشركات للتحكیم ضد البلدان التي تنفذ المعاییر البیئیة، أو من خلال عصر جدید من الاستخراج
"الأخضر" الموجھ نحو تصدیر المواد الخام النادرة مثل اللیثیوم.
وتتجلى بوضوح ھیمنة الشركات على الحكامة العالمیة والتنمیة في الاتجاه المتزاید المعروف بـ"تعدد أصحاب المصلحة" الذي یتم الترویج لھ حتى في الأمم المتحدة. فمن حیث المبدأ، یدعو أنصار ھذا الاتجاه مجموعة من أصحاب المصلحة إلى المشاركة في الحكامة العالمیة )على حساب صوت الحكومات المتضائل(، ولكن في الممارسة العملیة یتم منح نفوذ أكبر للشركات متعددة الجنسیات بدون تبریر من أجل صنع السیاسات، ووضع المعاییر، وتوزیع المنافع العامة. وقد تجلى ذلك في التأیید المتصاعد
1 الائتلاف النسوي من أجل العدالة الاقتصادیة والمناخیة
للأمم المتحدة للشراكات بین القطاعین العام والخاص لسد "فجوة تمویل التنمیة"، وعقد شراكات مثل الاتفاقیة )الملغاة الآن( بین ھیئة الأمم المتحدة للمرأة وبلاك روك، أكبر شركة استثماریة في العالم.
وعلى الرغم من نمو تمویل المناخ عاما بعد عام، قد فشلت بلدان الشمال العالمي في الوفاء بالالتزام الذي تم تحدیده في عام 2009 في COP15 لتوفیر وتعبئة 100 ملیار دولار أمریكي من تمویل المناخ سنویا بحلول عام 2020، حیث یتم صرف تمویل المناخ إلى حد كبیر من خلال القروض، مما یؤدي إلى تفاقم أزمة الدیون، التي بدورھا تزید من تعریض البلدان لعواقب التغیر المناخي، ولا تركز بشكل كاف على معالجة الخسائر والأضرار، ولا تصل إلى البلدان التي ھي في أمس الحاجة إلیھ، ولا
تأخذ في الاعتبار الحاجة إلى الاستجابة لمقاربة النوع الاجتماعي أو العدالة الجندریة.